روائع مختارة | واحة الأسرة | نساء مؤمنات | ليلى والتعدد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > نساء مؤمنات > ليلى والتعدد


  ليلى والتعدد
     عدد مرات المشاهدة: 6122        عدد مرات الإرسال: 0

في الغرب ليس الحصول على شريك مناسب أمرا سهلا، ومن هنا إنتشرت مكاتب المواعدة للمعاونة في هذه الغاية.. كون المجتمع منفتحا لا يعني أن الحصول على شريك مناسب هو أمر سهل.. لأن الدائرة الإجتماعية التي يرتبط بها الشخص عادة محدودة وبالتالي فإن الإحتمالات ليست كبيرة في الالتقاء بالشريك المناسب.

ومن ثم فإن المجتمعات المحافظة وغير المحافظة كلها تشترك في الحاجة إلى: وسيط إجتماعي لتسهيل عملية البحث عن شريك مناسب مع تفاوت الحاجة بالطبع إلى هذا الوسيط تبعا لطبيعة المجتمع بل وطبيعة الأفراد.

وفي المجتمعات الأكثر محافظة يصبح الإرتباط بشريك مناسب هو أمر أكثر تعقيدا، لكن الثقافة الإسلامية تعطي بعدا آخر، وهو قانونية أن تتزوج المرأة برجل متزوج، وقانونية هذا الأمر يجعل إعراض المرأة -التي يلبي هذا الزواج حاجة أساسية لديها- عنه أو الرجل -حال قدرته مع حاجته الجادة إلى الزواج بأخرى- هذا الإعراض -إذا نظرنا إلى الأمر بشكل مجرد- هو تصرّف عبثي لا تبرير له إلا جلد للذات وهدر للعمر والطاقات.

وإذا كان الزواج المتعدد هو أمر لا غبار عليه قانونا لكنه ليس كذلك من الناحية الإجتماعية خاصة بالنسبة للمرأة.. فالزوجة الثانية تتعامل معها كثيرات كجسم غريب في مجتمع المتزوجات، هناك لوم مستتر، هناك رسائل متتابعة تحاول أن تشعرها بالدونية لأنها قبلت أن تتزوج رجلا متزوجا، وهناك أيضا محاولات وقحة أحيانا وسمجة أحيانا أخرى للتدخل في الشؤون الخاصة للزوجة الثانية.

هذه المقالة ليست دعوة مفتوحة إلى الزواج المتعدد، لكنها وقفة لابد منها لبث ثقافة إحترام تشريع التعدد، إحترامه كتشريع أساسي يعد منفذا مهما ونقيا ينقذ المرء من ترد في علاقة محرّمة أو عذاب الإستمرار في ضيق نفسي إما بسبب عدم وجود الشريك المناسب أو بسبب عدم التوافق مع الزوجة وفي نفس الوقت عدم الرغبة في التخلي عنها وفاء أو تحملا لمسؤولية الأسرة القائمة.

فإذا أضفنا إلى ذلك كون التعدد يعد أيضا منفذا مهما في بيئات محافظة من حيث طبيعة العلاقة بين الجنسين -كما ذكرت في بداية المقال- وفي بيئات يعد تجاوز المرأة الثلاثين من عمرها سببا في عدم إقبال الرجل الأعزب المماثل لها في العمر على الزواج منها فإن التعدد هنا يعد خيارا يتسم بالواقعية وإحترام الحقوق والحاجات الأساسية للمرأة غير المتزوجة، وعدم الإلتفات إلى ذلك هو في تقديري يفتقر إلى العدالة التي ترتبط قطعا بثقافة المجتمع وقيمه.

تمر الأيام وتختار ليلى أن تتزوج برجل متزوج، هذا الإختيار الذي يلبي حاجتها الأساسية روحا وجسدا، سألت نفسها مرارا: هل هي أنانية منها أن تؤذي مشاعر زوجة أخرى؟ وكان الجواب حاسما في كل مرة من داخلها: وهل من العدل أن تظل عزباء وتحرم من حاجاتها الأساسية في واقع متشابك مرير في قيوده لكنه يشرّع التعدد ولا يجرّمه؟

إختارت أن تتزوج برجل متزوج، وأشرق في داخلها نور جديد، قالت لها صديقتها: هو نور الحب أشرق في قلبك ووجهك، قالت: نعم وهو نور الإحساس بجمال الإسلام، وتذوق أن تناجي الله شكرا لا ألما وفقدا..

وتعلمت أشياء جديدة..

ليلى درست في فقه التعدد، وقالت لزوجها: فلنتفق على مذهب فقهي نحتكم إليه في تقرير الحقوق.. تبسّم زوجها وقال لها: الأمر أبسط من ذلك.. الحياة لكي تنجح تقوم على التسامح لا المحاسبة..

لم يقنعها كلامه..لكنها لم تحب أن تجادله.. مسألة الموازنات باتت تحكم تصرّفات ليلى بعد تجربتها المريرة مع الوحدة..

لقد تعلّمت ليلى من دراسة الفقه إحترام الإختيارات الفقهية المتعددة، ومن ثم كانت تحترم خيار زوجها الفقهي بعدم القضاء إذا لم يعطها حقها في المبيت في ليلة أو أخرى، لكنها مع ذلك كانت تشعره بأنها تقدّر عذره وتسقط حقها إكراما له لئلا يناله إثم.. كانت طريقتها هذه محل تقدير عنده، ساعدتها هي على فهم طريقته في الموازنة التي لم تكن طبيعة شخصيته تساعده على شرحها..

وتمر الأيام لتكتشف ليلى صواب ما قاله لها زوجها في مقبل زواجهما.. إكتشفت ليلى أن العدل الذي أمر الله به في التعدد ليس سيفا مصلتا على رقبة الرجل، فليس كل الرجال يمتلكون القدرة التنظيمية والإدارية التي تمكنهم من التحقيق الصارم للعدل..

العدل الذي أمر الله به في التعدد هو حكم شرعي يرتبط بمعنيين شرعيين عظيمين أحدهما هو أن الله لم يجعل علينا في الدين من حرج، والأصل الثاني هو أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وتطبيق ذلك أن الزوج يجتهد وسعه في إقامة العدل، وما شق عليه من ذلك فهو يدخل في دائرة المعفو عنه، وفي المقابل فإن الزوجة لا تشق على زوجها في المطالبة بحقوقها بل تعفو تصفح لتعينه على القيام بواجب العدل -فضيلة الدكتورة شادية كعكي سبقت إلى تأصيل وشرح فكرة الموازنة بين العدل والفضل في بحثها القيم: الفضل وأثره في بلوغ السلام بين الأزواج.

أدركت ليلى أن حياتها لن تستقيم إن لم تترك صغائر الأمور خلفها، وتحتفي بمعاني الجمال الحقيقية والأصيلة في علاقتها بزوجها -هكذا كانت تقول لها أستاذتها في الفقه كلما ضاقت بها نفسها.

أدركت ليلى أنها وحدها من يحسن تقدير عظيم ما أنعم الله عليها به من نعمة الزوج الطيب، وبالتالي فإن ما يبدو مجحفا وظالما في ميزان بعض من تستشيرهن من صديقات أو قريبات هو في حقيقته ليس كذلك بل هو تراب منثور لا قيمة له إذا ما عظّمت ما ينبغي لها تعظيمه من سكينة وحب منحتها لها علاقتها بزوجها.

قالت ليلى: تجربة الزواج المتعدد تحتاج إلى شجاعة حقيقية في إدراك قيمك الذاتية، وإدراك ما تحتاجين إليه حقيقة، وفي تحملك مسؤولية قرارك أمام مجتمعك، وفي تحملك مسؤولية أخلاق العفو والصفح والفضل.. وحينها ستكون هذه التجربة ممتعة من حيث خوضك تجربة جديدة تتعلمين فيها كيف تكونين أكثر نضجا وأكثر قوة وأكثر تسامحا.. وستكون ممتعة أيضا في المساحات التي يمكن أن يوفرها لك غياب زوجك إختلاء بنفسك أو قيامك بنشاطات علمية أو إجتماعية أوسع..

قلت لها: لكن المجتمع لازال يحتاج إلى مزيد وعي ونضج إنساني وأخلاقي ليقيك ألم عبارات جافية تسمعينها أو تصرفات غير لائقة تخدش سكينتك..

صمتت ليلى وإبتسامة نقية تملأ وجهها أراها أمامي الآن..

الكاتب: أ. صفية محمد الجفري.

المصدر: موقع المستشار.